يبدأ فيلم "مسافرون وسحرة" للمخرج الراهب البوذي كينتسي نوربو، بموظف بسيط انتقل حديثاً إلى قرية نائية يربطها بالعاصمة طريق ترابي ضيق، وتأتيها الحافلة لنقل الركاب للعاصمة مرة واحدة في الأسبوع. هذا الموظف واسمه دندب، يحلم بالسفر لأمريكا حيث الثروة والغنى، حتى لو اشتغل هناك بأبسط المهن، ومنها قطف التفاح، بعد أن وعده صديق له في العاصمة بتأمين الفيزا. حينما تستدعيه السفارة للمقابلة وإتمام معاملة الهجرة، يحمل دندب حقيبة سفر صغيرة، ويرتدي " تي شيرت" مكتوباً عليه عبارة "أنا أحب نيويورك" وحذاء رياضي وشريط أغان أجنبية، ويغادر منزله متوجها للعاصمة، ولكنه لا يلحق بالحافلة، فيضطر للسير على قدميه علّه يصادف أية وسيلة نقل على الطريق.
في طريقه يلتقي دندب أولا ببائع تفاح بسيط وطيب يقصد العاصمة أيضاً، فيطلب منه باستياء أن يبتعد عنه ويسير منفردا، فقد تأتي سيارة غير قادرة إلا على حمل واحد منهما، ولكن بعد مسيرة ليست طويلة يلتقي الاثنان براهب بوذي في لباسه المميز يحمل آلة موسيقية محلية ويقصد العاصمة، ثم ينضم إلى المجموعة مزارع عجوز مصطحباً ابنته الفتية الجميلة.
خلال سير المجموعة باتجاه العاصمة يتعرف اللاما البوذي على رغبات وأحاسيس كل من أفرادها وخاصة دندب الحالم بالهجرة، فيبدأ بسرد حكاية لتسلية المجموعة، وهنا نشاهد على الشاشة قصة، بداخل قصة ولكنهما بسلاسة وذكاء ترتبطان وتتداخلان معاً. تتحدث حكاية اللاما للمجموعة عن فلاح له ولدان، الأكبر الذي يسعى الوالد لتعليمه طائشاً ومتهور، ويحلم بتغيير حياته، أما الأصغر والذي سيبقى في البيت لمساعدة الوالد، فيتميز بالذكاء والهدوء وتحمل المسؤولية.
يذهب هذان الأخوان مصطحبين معهما حصاناً لم يرض بعد إلى نزهة في الغابة، وهناك يحتسي الأخ الأكبر كمية كبيرة من الكحول محلي الصنع، ويصرّ بعدها على ركوب الحصان الذي يجمح به، ثم يلقيه في وسط الغابة، ويسبب له إصابة في ساقه، حيث لا أحد حوله، وبالصدفة يعثر عليه حطاب عجوز يعيش منعزلاً عما حوله مع زوجته التي تصغره كثيراً، ويستضيف الحطاب الفتى في بيته بانتظار شفائه، لكن هذا الفتى يقيم علاقة غير شرعية مع الزوجة، وتحمل منهن ويتآمران على قتل الزوج، لكنه يهرب منها، وتحاول هي أن تلحق به، لكنها تغرق في النهر. وهنا يصحو الفتى من سكرته، ونجد أن حكاية اللاما عما مر بالفتى مجرد حلم. تصل الحافلة في نهاية الفيلم، لكن لا متسع فيها إلا لاثنين، وبدأ أفراد المجموعة يتنازل كل منهم للآخر، بما فيهم مندوب الحالم بالهجرة والمستعجل للحصول على الفيزا قبل فوات الأوان، بعد أن يكون قد تعلق بابنة المزارع، وهنا يترك المخرج نهاية الفيلم مفتوحة.
لقد استفاد المخرج بحق من الطبيعة البكر الجميلة في بلده، والتي ساهمت في نقل رسالة المخرج المتأثر بمفاهيمه الدينية وتراثه، حيث يقول على لسان أحد أبطال فيلمه الفلاحين: إن العشب ليس بالضرورة أكثر اخضراراً في الأماكن الأخرى، ولا تبحث عن سعادة مفترضة في تلك الأماكن إن كان الهدوء والسكينة يحيطان بك حيث أنت.
القصة الرئيسة في الفيلم مقتبسة من قصة للكاتب الياباني كاواباتا واسمها "الفتاة الحسناء الراقصة من إيزو"، أما قصة الأخوين، فتعود إلى التراث البوذي.
الفيلم من أفلام الطريق، ولكن أحد النقاد يصنفه كنمط مختلف عن كل ما هو متعارف عليه باعتباره فيلم موعظة.
المخرج كاهن بوذي بلغ التاسعة عشر من عمره، ولم يشاهد فيلماً على الإطلاق ثم بعد ذهابه للهند في هذه السن للتعمق في دراسة البوذية شاهد أول فيلم للمرة الأولى في حياته، مما شده لفن السينما دراسة وإخراجاً، وقد عمل قبل أن يخرج فيلمه الأول مستشاراً للمخرج الإيطالي بيرتولوشي في فيلمه "بوذا الصغير".
فيلم "مسافرون وسحرة" أو "روح الأزمنة" هو أول فيلم تمت فيه كافة العمليات الفنية في بوتان، تلك المملكة الصغيرة الواقعة على سفح جبال هملايا بين الهند والصين، والتي تفتقر للكثير من متطلبات الحياة في وقتنا الحاضر، فالطرق في معظمها ترابية وضيقة، ولا توجد شبكة اتصالات متقدمة ولا دور سينما....إلخ. هذه هي الظروف التي أخرج بها رجل الدين البوذي نوربو سنة 2003 فيلمه هذا بعد أن أخرج سنة 1999 فيلم "الكأس" وفي سنة 2013 أخرج أيضاً فيلم "النعمة".
لقد قوبل الفيلم بتقدير كبير من النقاد أينما عرض لمحتواه الإنساني الجميل المتأثر بالتعاليم البوذية التي بلغ بها المخرج مرتبة دينية متقدمة. هذا أولاً، وثانياً، لمقدرة المخرج على إدارة الممثلين الذين لم يسبق لهم أبداً الوقوف أمام الكاميرا، فهم مجموعة من أبناء القرية التي صور فيها الفيلم، عدا الممثل الرئيسي الذي أدى دور الراغب بالهجرة، إضافة إلى تمكن المخرج من كل أدواته الفنية رغم قلة الإمكانيات الإنتاجية.